فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15]، وفي سورة النحل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ} [النحل: 49] فيها سؤلان: خصوص آية الرعد بمن وآية النحل بما، وزيادة قوله: {والملائكة} ولم يرد ذلك في سورة الرعد؟
والجواب عن الأول: أن ورود من في سورة الرعد لا سؤال فيه، فإن قبول الأوامر وامتثال الطاعات بالقصد والاختيار بمشيئة الله سبحانه إنما يكون من أصحاب العقول وهو الملائكة والإنس والجن، وهم المقصودون في الآية، فوردت بمن الواقعة على العقلاء، لهذا قيل: {طوعًا وكرهًا} لأن ذلك إنما يكون ويستوضح من العاقل، فالآية واردة على ما ينبغي.وأما آية النحل فمراعي فيها لفظ {دابة} الوارد فهيا إذ هو عام للعاقل وغيره، فوردت الآية بما الواقعة على الأنواع والأجناس مناسبة لما تقدم من الإطلاق والعموم.
والجواب عن السؤال الثاني: أن قوله تعالى في آية النحل: {والملائكة} تخصيص لهم لجليل حالهم، فعينوا بالذكر مع دخولهم في العموم المتقدم، وهذا كقوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] مع دخولهما تحت لفظ الملائكة. ثم أكد الوارد في آية النحل ما ورد فيها من لفظ دابة.
فإن قلت: لِمَ لَمْ يخصصوا بالذكر في آية الرعد؟ قلت: لأنه لم يقع هناك لفظ دابة الذي هو الموجب لتعيين الملائكة وتخصيصهم بالذك، فكر على ما يجب ويناسب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
المؤمن يسجد لله طوعًا، وإذا نزل به ضر ألجأه إلى أَنْ يتواضع ويسجد، وذلك معنى سجوده كرهًا- وهذا قول أهل التفسير. والكافر يسجد طائعًا مختارًا، ولكن لمَّا كان سجودُه لطلبِ كَشْفِ الضُّرِّ قال تعالى: {إنه يسجد كرهًا} على مقتضى هذا كلُّ مَنْ يَسْجُدُ لابتغاءِ عِوَضٍ أو لكشفِ محنة.
ويقال السجود على قسمين: ساجدٌ بِنَفْسِه وساجدٌ بقلبه؛ فسجودُ النَّفْسِ معهود، وسجودُ القلب من حيث الوجود.. وفَرْقٌ بين من يكون بنفسه، وواجد بقلبه.
ويقال الكلُّ يسجدون لله؛ إِمَّا من حيث الأفعال بالاختيار، أو من حيث الأحوال بنعت الافتقار والاستبشار: سجودٌ من حيث الدلالة على الوحدانية؛ فكلُّ جزءٍ من عين أو أثر فَعَلَى الوحدانية شاهدٌ، وعلى هذا المعنى للَّهِ ساجدٌ. وسجود من حيث الشهادة على قدرة الصانع واستحقاقه لصفات الجلال. اهـ.

.تفسير الآية رقم (16):

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
فلما تبين قطعًا أنه سبحانه المدبر للسماوات والأرض القاهر لمن فيهما، وتبين قطعًا أنه المختص بربوبيتهما فأمره تعالى أن يوجه السؤال نحوهم عن ذلك- ردًّا على عبدة الأصنام وغيرهم من الملحدين- بقوله: {قل} أي بعد أن أقمت هذه الأدلة القاطعة، مقررًا لهم: {من رب} أي موجد ومدبر: {السماوات والأرض} أي وكل ما فيهما.
ولما مضى في غير آية أنهم معترفون بربوبيته مقرون بخلقه ورزقه ثم لم يزعهم ذلك عن الإشراك، جعلوا هنا كأنهم منكرون لذلك عنادًا، فلم ينتظر جوابهم بل أمره أن يجيبهم بما يجيبون به، إشارة إلى أنهم لا يتحاشون من التناقض في اتباع الهوى ولا تصونهم عقولهم الجليلة وآراؤهم الأصلية- بزعمهم- عن التساقط في مهاوي الردى، فقال: {قل الله} أي الذي له الأمر كله، فثبت حينئذ أن لا ولي إلا هو، فتسبب عن ذلك توجه الإنكار عليهم في اعتماد غيره، فأمره بالإنكار في قوله: {قل أفاتخذتم} أي فتسببتم عن انفراده بربوبيتكم أن أوجدتم الأخذ بغاية الرغبة، فتسببتم الإشراك عما يجب أن يكون سبب التوحيد، وبين سفول رتبتهم بقوله: {من دونه أولياء} لا يساوونكم في التسبب في الضر والنفع، بل: {لا يملكون لأنفسهم} فكيف بغيرهم: {نفعًا} ونكره ليعم، وقدمه لأن السياق لطلبهم منهم، والإنسان إنما يطلب ما ينفعه.
ولما كان من المعلوم أنه لا قدرة لأحد على أن يؤثر في آخره أثرًا لا يقدر على مثله في نفسه قال: {ولا ضرًّا} فثبت أن من سواهم بالله أضل الضالين، لأنه يلزمه أن يسوي بين المتضادات، فكان معنى قوله: {قل هل يستوي} والاستواء: استمرار الشيء في جهة واحده: {الأعمى} في عينه أو في قلبه: {والبصير} كذلك: {أم هل تستوي} بوجه من الوجوه: {الظلمات والنور}: هل أدتهم عقولهم إلى أن سووا بين هذه المتضادات الشديدة الظهور لغباوة أو عناد حتى سووا من يخلق بمن لا يخلق، فجعلوا له شريكًا كذلك لغباوة أو عناد: {أم جعلوا لله} أي الذي له مجامع العظمة: {شركاء} ثم بين ما يمكن أن يكون به الشركة، فقال واصفًا لهم: {خلقوا كخلقه} وسبب عن ذلك قوله: {فتشابه} والتشابه: التشاكل بما يلتبس حتى لا يفصل فيه بين أحد الشيئين والآخر: {الخلق عليهم} فكان ذلك الخلق الذي خلقه الشركاء سبب عروض شبهة لهم، وساق ذلك في أسلوب الغيبة إعلامًا بأنهم أهل للإعراض عنهم، لكونهم في عداد البهائم لقولهم ما لا يعقل بوجه من الوجوه، وهذا قريب مما يأتي قريبًا في قوله: {أم بظاهر من القول} [الرعد: 33].
أي بشبهة يكون فيها نوع ظهور لبعض الأذهان.
ولما كان من المعلوم قطعًا أن جوابهم أن الخلق كله لله.
ولم يمنعهم ذلك من تأله سواه، أمره أن يجيبهم معرضًا عن جوابهم فقال: {قل الله} أي الملك الأعلى: {خالق كل شيء} إشارة إلى أنهم في أحوالهم كالمنكر لذلك عنادًا أو خرقًا لسياج الحياء وهتكًا لجلباب الصيانة، وإذ قد ثبت أنه المنفرد بالخلق وجب أن يفرد بالتأله فقال: {وهو الواحد} الذي لا يجانسه شيء، وكل ما سواه لا يخلو عن مجانس يماثله، وأين رتبة من يماثل من رتبة من لا مثل له: {القهار} الذي كل شيء تحت قهره بأنفسهم وظلالهم، وهو القادر بما لا يمكن أن يغلبه غالب وهو لكل شيء غالب، وهذا إشارة- كما مضى في مثله غير مرة في سورة يوسف وغيرها- إلى برهان التمانع، فإن أربابهم متعددون، فلو كانت لهم حياة وكانوا متصرفين في الملك لأمكن بينهم تمانع وكان كل منهم معرضًا لأن يكون مقهورًا، فكيف وهم جماد! فثبت قطعًا أنه لا شيء منهم يصلح للإلهية على تقدير من التقادير؛ قال الرماني: والواحد على وجهين: شيء لا ينقسم أصلًا، وشيء لا ينقسم في معنى كالدنيا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} اعلم أنه تعالى لما بين أن كل من في السموات والأرض ساجد له بمعنى كونه خاضعًا له، عاد إلى الرد على عبدة الأصنام فقال: {قُلْ مَن رَّبُّ السموات والأرض قُلِ الله} ولما كان هذا الجواب جوابًا يقر به المسؤول ويعترف به ولا ينكره أمره صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الذاكر لهذا الجواب تنبيهًا على أنهم لا ينكرونه ألبتة ولما بين أنه سبحانه هو الرب لكل الكائنات قال: قل لهم فلم اتخذتهم من دون الله أولياء وهي جمادات وهي لا تملك لأنفسها نفعًا ولا ضرًا ولما كانت عاجزة عن تحصيل المنفعة لأنفسها ودفع المضرة عن أنفسها، فبأن تكون عاجزة عن تحصيل المنفعة لغيرها ودفع المضرة عن غيرها كان ذلك أولى، فإذا لم تكن قادرة على ذلك كانت عبادتها محض العبث والسفه، ولما ذكر هذه الحجة الظاهرة بين أن الجاهل بمثل هذه الحجة يكون كالأعمى والعالم بها كالبصير، والجهل بمثل هذه الحجة كالظلمات، والعلم بها كالنور، وكما أن كل أحد يعلم بالضرورة أن الأعمى لا يساوي البصير، والظلمة لا تساوي النور كذلك كل أحد يعلم بالضرورة أن الجاهل بهذه الحجة لا يساوي العالم بها.
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وعمرو عن عاصم: {يَسْتَوِى الظلمات والنور} بالياء، لأنها مقدمة على اسم الجمع والباقون بالتاء، واختاره أبو عبيدة ثم أكد هذا البيان فقال: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} يعني هذه الأشياء التي زعموا أنها شركاء لله ليس لها خلق يشبه خلق الله حتى يقولوا إنها تشارك الله في الخالقية، فوجب أن تشاركه في الإلهية، بل هؤلاء المشركون يعلمون بالضرورة أن هذه الأصنام لم يصدر عنها فعل ألبتة، ولا خلق ولا أثر، وإذا كان الأمر كذلك كان حكمهم بكونها شركاء لله في الإلهية محض السفه والجهل.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن أصحابنا استدلوا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال من وجوه.
الأول: أن المعتزلة زعموا أن الحيوانات تخلق حركات وسكنات مثل الحركات والسكنات التي يخلقها الله تعالى، وعلى هذا التقدير فقد جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، ومعلوم أن الله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الذم والإنكار.
فدلت هذه الآية على أن العبد لا يخلق فعل نفسه.
قال القاضي: نحن وإن قلنا: إن العبد يفعل ويحدث، إلا أنا لا نطلق القول بأنه يخلق ولو أطلقناه لم نقل إنه يخلق كخلق الله، لأن أحدنا يفعل بقدرة الله، وإنما يفعل لجلب منفعة ودفع مضرة، والله تعالى منزه عن ذلك كله، فثبت أن بتقدير كون العبد خالقًا، إلا أنه لا يكون خلقه كخلق الله تعالى، وأيضًا فهذا الإلزام لازم للمجبرة، لأنهم يقولون عين ما هو خلق الله تعالى فهو كسب العبد وفعل له، وهذا عين الشرك لأن الإله والعبد في خلق تلك الأفعال بمنزلة الشريكين اللذين لا مال لأحدهما إلا وللآخر فيه حق.
وأيضًا فهو تعالى إنما ذكر هذا الكلام عيبًا للكفار وذمًا لطريقتهم، ولو كان فعل العبد خلقًا لله تعالى لما بقي لهذا الذم فائدة، لأن للكفار أن يقولوا على هذا التقدير إن الله سبحانه وتعالى لما خلق هذا الكفر فينا فلم يذمنا عليه ولا ينسبنا إلى الجهل والتقصير مع أنه قد حصل فينا لا بفعلنا ولا باختيارنا.
والجواب عن السؤال الأول: أن لفظ الخلق إما أن يكون عبارة عن الإخراج من العدم إلى الوجود، أو يكون عبارة عن التقدير، وعلى الوجهين فبتقدير أن يكون العبد محدثًا فإنه لابد وأن يكون حادثًا.
أما قوله: والعبد وإن كان خالقًا إلا أنه ليس خلقه كخلق الله.
قلنا: الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين والإخراج من العدم إلى الوجود، ومعلوم أن الحركة الواقعة بقدرة العبد لما كانت مثلًا للحركة الواقعة بقدرة الله تعالى، كان أحد المخلوقين مثلًا للمخلوق الثاني، وحينئذ يصح أن يقال: إن هذا الذي هو مخلوق العبد مثل لما هو مخلوق لله تعالى بل لا شك في حصول المخالفة في سائر الاعتبارات، إلا أن حصول المخالفة في سائر الوجوه لا يقدح في حصول المماثلة من هذا الوجه وهذا القدر يكفي في الاستدلال.
وأما قوله هذا لازم على المجبرة حيث قالوا: إن فعل العبد مخلوق لله تعالى، فنقول هذا غير لازم، لأن هذه الآية دالة على أنه لا يجوز أن يكون خلق العبد مثلًا لخلق الله تعالى، ونحن لا نثبت للعبد خلقًا ألبتة، فكيف يلزمنا ذلك؟ وأما قوله: لو كان فعل العبد خلقًا لله تعالى، لما حسن ذم الكفار على هذا المذهب.
قلنا: حاصله يرجع إلى أنه لما حصل المدح والذم وجب أن يكون العبد مستقلًا بالفعل، وهو منقوض، لأنه تعالى ذم أبا لهب على كفره مع أنه عالم منه أنه يموت على الكفر، وقد ذكرنا أن خلاف المعلوم محال الوقوع، فهذا تقرير هذا الوجه في هذه الآية.
وأما الوجه الثاني: في التمسك بهذه الآية قوله: {قُلِ الله خالق كُلّ شَئ} ولا شك أن فعل العبد شيء فوجب أن يكون خالقه هو الله وسؤالهم عليه ما تقدم.
والوجه الثالث: في التمسك بهذه الآية وقوله: {وَهُوَ الواحد القهار} وليس يقال فيه أنه تعالى واحد في أي المعاني، ولما كان المذكور السابق هو الخالقية وجب أن يكون المراد هو الواحد في الخالقية، القهار لكل ما سواه، وحينئذ يكون دليلًا أيضًا على صحة قولنا.
المسألة الثانية:
زعم جهم أن الله تعالى لا يقع عليه اسم الشيء.
اعلم أن هذا النزاع ليس إلا في اللفظ وهو أن هذا الاسم هل يقع عليه أم لا، وزعم أنه لا يقع هذا الاسم على الله تعالى واحتج عليه بأنه لو كان شيئًا لوجب كونه خالقًا لنفسه، لقوله تعالى: {الله خالق كُلّ شَئ} ولما كان ذلك محالًا، وجب أن لا يقع عليه اسم الشيء، ولا يقال: هذا عام دخله التخصيص، لأن العام المخصوص إنما يحسن إذا كان المخصوص أقل من الباقي وأخس منه كما إذا قال: أكلت هذ الرمانة مع أنه سقطت منها حبات ما أكلها، وههنا ذات الله تعالى أعلى الموجودات وأشرفها، فكيف يمكن ذكر اللفظ العام الذي يتناوله مع كون الحكم مخصوصًا في حقه؟
والحجة الثانية: تمسك بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} [الشورى: 11] والمعنى: ليس مثل مثله شيء، ومعلوم أن كل حقيقة فإنها مثل مثل نفسها، فالباري تعالى مثل مثل نفسه، مع أنه تعالى نبه على أن مثل مثله ليس بشيء، فهذا تنصيص على أنه تعالى غير مسمى باسم الشيء.
والحجة الثالثة: قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف: 180] دلت هذه الآية على أنه لا يجوز أن يدعى الله إلا بالأسماء الحسنى، ولفظ الشيء يتناول أخس الموجودات، فلا يكون هذا اللفظ مشعرًا بمعنى حسن، فوجب أن لا يكون هذا اللفظ من الأسماء الحسنى، فوجب أن لا يجوز دعاء الله تعالى بهذا اللفظ، والأصحاب تمسكوا في إطلاق هذا الاسم عليه تعالى بقوله: {قُلْ أَي شيء أَكْبَرُ شهادة قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19].
وأجاب الخصم عنه: بأن قوله: {قُلْ أَي شيء أَكْبَرُ شهادة} سؤال متروك الجواب، وقوله: {قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} كلام مبتدأ مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله.
المسألة الثالثة:
تمسك المعتزلة بهذه الآية في أنه تعالى عالم لذاته لا بالعلم وقادر لذاته لا بالقدرة.
قالوا: لأنه لو حصل لله تعالى علم وقدرة وحياة، لكانت هذه الصفات إما أن تحصل بخلق الله أو لا بخلقه، والأول باطل وإلا لزم التسلسل، والثاني: باطل لأن قوله: {الله خالق كُلّ شَئ} يتناول الذات والصفات حكمنا بدخول التخصيص فيه في حق ذات الله تعالى فوجب أن يبقى فيما سوى الذات على الأصل.
وهو أن يكون تعالى خالقًا لكل شيء سوى ذاته تعالى، فلو كان لله علم وقدرة لوجب كونه تعالى خالقًا لهما وهو محال، وأيضًا تمسكوا بهذه الآية في خلق القرآن.
قالوا: الآية دالة على أنه تعالى خالق لكل الأشياء، والقرآن ليس هو الله تعالى، فوجب أن يكون مخلوقًا وأن يكون داخلًا تحت هذا العموم.
والجواب: أقصى ما في الباب أن الصيغة عامة، إلا أنا نخصصها في حق صفات الله تعالى بسبب الدلائل العقلية. اهـ.